كلمات في أعظم رجل في العالم
عندما بدأت الدراسة وأنا صغير كنت أتعجب من بعض المعلومات التي كانت تُطرح على مسمعي فترسخ في ذاكرتي على شكل استفهام (؟) أو تعجب (!) حتى تثبتها الأيام من خلال التوسع في العلم أو تضل بعيدة عن الذاكرة في قائمة النسيان حتى يأتي الزمان بها في محاضرة للدراسة أو ندوة علمية وأدبية أو مجلس علم وثقافة للجواب عن ذاك الاستفهام المعلق في الذاكرة .
من تلك المعلومات التي علقت في الذاكرة منذ الصغر كانت حول الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان يقول لنا المعلم , أن محمد صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته لقريش واجه الصعوبات والتكذيب والعقاب والاستهزاء وكل أنواع التنكيل مع أن محمد صلى الله عليه وسلم كان قبل ذلك الأمين والصادق بينهم وقد كان له محاسن كثيرة شهد بها أعداءه قبل أتباعه ( فعندما صعد الصفا ونادى يا معشر قريش ! قالت قريش … محمد على الصفا يهتف … وأقبلوا عليه يسألونه ما به …… قال : أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقون …. قالوا : نعم أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا قط … قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد يا بني عبد المطلب , يا بني عبد مناف يا بني زهرة يا بني تميم , يا بني مخزوم يا بني أسد , أن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين , واني لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله … فنهض أبو لهب وكان رجلا سمينا سريع الانفعال فصاح : تبا لك سائر هذا اليوم , ألهذا جمعنا ) , هنا كان التعجب والاستفهام في ذاكرة الفتى الصغير , كيف أن رسولنا صلى الله عليه وسلم يُكذب وهو على خلق عظيم قبل دعوته وصاحب حق وصدق وأمانة بين قومه , كان هذا السؤال يدور في خلدي لماذا هذا الخصام والعناد والعداوة من قريش لمحمد وهو الذي لم يدعهم إلا لخير ولم ينازع أحدا في سيادته , بل كان يقول " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ) , ولم أجد إجابة لذاك السؤال إلا بعد حين من الزمن فوجدته الكبرياء لمجرد الكبرياء , فهذا أبو جهل يحكي عن نفسه " تنازعنا نحن وعبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا , وحملوا فحملنا , وأعطوا فأعطينا , حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسى رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء , فمتى ندرك مثل هذه , والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه.
إنها لم تعد مسألة حق وباطل وإنما أصبحت مسألة أنا وهو مسألة أبى جهل وأبي لهب , ولماذا لا يكون أبو جهل هو النبي من الأسئلة التي طرحوها وكان الأمر غير ذلك أيضا فالواحد منهم يزني ويسرق ويقتل ثم يقدم رشوة من القرابين إلى الأصنام فينتهي كل شي وينام قرير العين أما محمد عندهم فيهددهم بأنهم سيبعثون بعد الموت ويقفون بين يدي عذاب شديد وحساب لا تضل فيه شاردة ولا واردة …. هذه أسباب ذاك العداء من قريش .
وبعد تقدمي في المراحل الدراسية من خلال القراءة في السيرة أو في الكتب الإسلامية بشتى أنواعها اكتشفت أن هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي كان أعظم مما أتصور من خلال تعاملاته وعطفه وكرمه مع أصحابه وغير أصحابه حتى أعداءه كان حليم معهم صلى الله عليه وسلم , ومع الزيادة في الإطلاع عن هذا الرسول الكريم اكتشفت أنه دائما متواضع وبسيط كان في بيته يغسل ثوبه ويرقع بردته ويحلب شاته ويخصف نعله ويأكل مع الخادم ويعود المريض ويعطي المحتاج .
أحب محمد الإنسان والحيوان حتى النبات حن عليه فكان يوصي بالشجر ألا يقطع حتى الجماد شمله فكان يقول لجبل أحد هذا الجبل يحبنا ونحبه وكان صلى الله عليه وسلم يقرب الإناء للهرة لتشرب وكان يواسي في موت طائر يلهو به أخو خادمه , وأوصى المسلمين ( إذا ركبتم هذه الدواب فأعطوها حظها من المنازل ولا تكونوا عليها شياطين ) , وقال ( إن الله غفر لإمرة بغية مرت بكلب يلهث كاد يقتله العطش , فنزعت خفها فأوثقته بخمارها , ونزعت له من الماء فغفر الله لها بذلك , حتى حين شُج رأسه وكسرة رباعيته في معركة أحد فقال له أصحابه : لو دعوت عليهم …. فقال …. إني لم أبعث لعانا ولكني داعيا ورحمة … اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون , أي رحمة هذه وأي عطف هذا.
وفي بداية الدعوة بين قومه كان يسير في مكة وإذ بعجوز تسير أمامه تحمل بضاعة ثقيلة فتناول عنها الحمل وأوصلها إلى بغيتها قالت له : ما عندي ما أعطيك يا ولدي لكن سأنصحك نصيحة, قال لها : و ما هي قالت هناك فتى يدعى محمد إذا لقيته فلا تستمع له , قال عليه الصلاة والسلام إنما أنا هو , فصاحت وقالت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك لرسول الله.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم رحيم حسن التعامل والأخلاق مع الناس حتى دخلوا في الدين بسبب حسن التعامل ولين الجانب , كان إذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع يده حتى يكون الرجل هو من ينزع يده منه , وكان أشد حياء من العذراء في خدرها , لقد أحبه أصحابه حبا أذهل الأعداء وجعلهم شهودا على ذاك الحب فعندما نصب زيد للقتل سأله أبو سفيان " أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا في مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك ؟ فأجابه زيد : والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصبيه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي " فصاح أبو سفيان "ما رأيت من الناس أحدا يحبه أصحابه ما يحب أصحاب محمد محمدا " , كيف لا يحبونه وهو يرعاهم حق الرعاية ويحفظهم حق الحفظ ويداري شعورهم وحاجاتهم , فهذا عبد الله بن أبي الذي كان المسلمون يسمونه رأس النفاق , عاهد وغدر ثم عاهد وغدر وعاش ما عاش يكيد للنبي في سره ويحرض الأعداء , وشاع بين الناس أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بقتله فتقدم أبنه وقال له :" يا رسول الله , أنه بلغني أنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه , فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل لك رأسه . فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده مني , وأني لأخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي بين الناس فأقتله فأقتل رجلا مؤمنا بكافر فأدخل النار "
فأبى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقتله وآثر الرفق به , وزاد في أفضاله فكافأ الولد خير مكافأة إذ بر دينه على بر أباه , فـأعطاه قميصه الطاهر يكفن به أباه وصلى عليه ميتا ووقف على قبره حتى فرغ من دفنه , وقد حاول عمر بن الخطاب أن يثنيه عن الصلاة على العدو الذي آذاه فذكر الآية " أستغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " فقال : " لو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت " .
أي رجل هذا أي إنسان هذا أي بشر هذا إلا يستحق أن يُحب إلا يستحق أن يكون قدوة للعالمين إلا يستحق أن نذود عنه بكل ما نملك , أنه أستاذ الرحمة والإنسانية والريادة والقيادة والسياسة وكل عمل نبيل , لذا لن نستغرب إذا حصل محمد صلى الله عليه وسلم على لقب أفضل رجل في العالم من بين أفضل مئة رجل في العالم و في كتاب المؤلف الأمريكي ميشيل هارت "المائة الأكثر نفوذا في التاريخ الإنساني" بأن محمد صلى الله عليه وسلم يعد الأول بين ذوي النفوذ المؤثرين فيالعالم،وأنه الوحيد في التاريخ الذي كان امتيازه متكافئا على المستوي الدينيوالدنيوي, وقد زاد عجبي من كفار هذا الزمان حين نالوا من رجل شهد له عالية قومهم
بأبي أنت وأمي يا رسول الله كلنا لك فداء .
وعجبي الأكبر من صمت الحكومات الإسلامية والعربية على ذلك
هذا النص شاركت به في مسابقة موبايلي (وإنك لعلى خلق عظيم) وكان المشرف على المسابقة الدكتور محمد العريفي
لم أفز بهذا النص لأنني لم أنتبه للفئة العمرية كما أن تسليم النص كان متأخرا حيث سلمته في أخر ساعة من أخر يوم للمسابقة
يونيو 10th, 2008 at 10 يونيو 2008 10:41 ص
…. لن يطال السماء يد شلاء
أيها الأخ الكريم حسن
لقد استمتعت كثيرا بقراءة هذا المقال المميز .
و الحمد لله أن زالت عنك استفهامات الصغر, وأصبحت بفضل الله منبر من منابر الهدى .
بارك الله فيك … ولن أمل من قراءة مقالتك التي تعايشت معها..
جوزيت الفردوس …
يونيو 11th, 2008 at 11 يونيو 2008 6:28 ص
سعدت أنا بمرورك أخي الكريم
ومهما كتبنا في محمد صلى الله عليه وسلم
فستجف أقلام العالم ولن يصلوا إلى مقامه صلى الله عليه وسلم