مذاق الطعام ….. هل تغير ؟



 


مذاق الطعام ….. هل تغير ؟
تحرير/ حسن علي العمري
مجلة عالم الغذاء
       منذ القدم والإنسان يعتني بمذاق الطعام ونوعيته ومنظره من ذلك ما جاء في القرآن الكريم في ذكر بعض الطعام وتحديد صفته ونوعه كإشارة إلى المذاق و حسن الاختيار في النوع والأعداد ,  ففي سورة هود إشارة إلى ذلك ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ) فسيدنا إبراهيم عليه السلام قدم عجلا حنيذا لضيوفه الملائكة الذين بشروه بالذرية الصالحة , وفي ذلك إشارة إلى أنه عجل أي (صغير في السن) والعجل هو صغير البقر والثاني أنه حنيذ والحنيذ نوع من أنواع الشواء له مذاق مميز وطريقة معينة لا تزال تستخدم طريقته إلى يومنا هذا عند أهل تهامة وأهل الحجاز في جنوب السعودية .
    و كثيرا ما يدور في مجالسنا احاديث عن اختلاف مذاق الطعام عن ذاك المذاق في الماضي, والكثير يسأل عن سبب هذا الاختلاف, فهناك من يرى أن الأمر يدخل فيه عدة عوامل منها التعديلات الو راثية وتأثير الكيماويات  وتغير نمط الحياة بالنسبة للإنسان , والغير يجزم أن الاختلاف في الغذاء نفسه,  وبعضهم يرى أن تداخل الحضارات وكثرة الهجرة التي ينتج عنها نقل الوجبات الغذائية وطرق إعدادها هو السبب في اختلاف نوع الطعام و المذاق بشكل عام, والعلاقة المشتركة بين المشاركين هي تأكيد اختلاف المذاق عن الماضي.
 لماذا أختلف المذاق عن السابق ؟  
        هذه السؤال دارج في مجالس السعوديين خصوصا من عاصر الجيل السابق وهذا الجيل لملامستهم تغير مذاق الطعام ولمعاصرتهم للنوعيات الطعام الماضية والحالية لذا هم الأقرب إلى معرفة دهاليز ذائقة السعوديين, وهناك من الشباب على العكس تماما, ينتقد مذاق الأكلات الشعبية والتي تمثل الطعام المقدم في العقود الماضية وبعضهم يعتبره طعام بدون ذوق و غير لذيذ.
       وقد قامت عالم الغذاء بأخذ أراء مختلفة لعدد من السعوديين عن سبب تغير ذوق الطعام ونوعيته.
يقول ( علي بن غرمان ) وهو من المعاصرين للجيلين (  تأثر مذاق الطعام ونوعيته في العالم بشكل عام فمذاق الطعام تأثر بشكل كبير في السعودية لوجود أسباب عدة, يدعم تلك الأسباب الطفرة التي تمر بها السعودية,  لذا اختلفت أنواع الطعام عن الماضي كما أختلف ذوق الطعام عن ذاك الذي كان يطبخ بنار الحطب والفحم فالطعام في السابق طبيعي لم تؤثر عليه الكيماويات أو التعديلات الو راثية, وكان الناس في السابق يعتنون بإعداد الطعام وتقديمه طازجا أول بأول دون أن يتم تجميده أو تبريده ودون إضافة للنكهات والألوان الصناعية أو غيرها من المضافات الحديثة التي لوجودها عوامل رئيسية في تغير مذاق الطعام, أما الوقت الحاضر فكثرة الأطعمة وكثرة طرق التصنيع غيرت المذاق, كما أن زيادة الهجرة من القرية إلى المدينة وزيادة الهجرة إلى السعودية من دول متعددة أثرت في تشكيل ذائقة السعوديين
أما ( قاسم بابور) من مكة المكرمة فيقول ( لم تختلف طريقة الطبخ في الحاضر عن الماضي كثيراً ولكن الوسائل التي يعد بواسطتها الطعام اختلفت وكذلك المواد الغذائية من حيث طعمها وأرومتها.
   ففي السابق كانت ربة المنزل تطبخ نوعاً أو أكثر من الطعام يومياً, بادئة عملية الطبخ في ساعة مبكرة من النهار ويطبخ الطعام على نار هادئة ( الفحم مثلاً) ويكون جاهزاً للأكل مع عودة الأب والأولاد إلى المنزل وبهذه الطريقة من الطبخ تكون محتويات الطبخة تداخلت محتوياتها ببعض و بهدوء مما يضفي على الطبخة نكهة و مذاق خاص, أي  (تسبكت الطبخة) ، وعلى العكس من ذلك نرى طرق الإعداد الحالية بواسطة الميكروويف و خلافه و التي لا تضفي أي نكهة للطعام ، حتى أن معدات المطبخ القديمة كانت تعطي مذاقاً خاصاً لكل نوع من الأكلات أما في الوقت الحاضر فقد دخلت عناصر جديدة مثل التيفال و الميلامين و المعادن الأخرى الضارة بالصحة و التي تعطي للأكل مذاق مغاير لما هو عليه.
                 
       ومن ناحية أخرى نرى المواد الغذائية في هذه الأيام تغيرت عما كانت عليه قبل خمسين وستين سنة فلا الخيار خيار ولا الطماطم طماطم ولا البقدونس بقدونس ولا النعناع نعناع ولا اللحم لحم , لأن كثيراً من المواد الغذائية فقدت أرومتها ونكهتها وليس خافيا ما لهاتين الميزتين من إطلاق للشهية وتسييل للعاب وبالتالي الاستمتاع بتناول الطعام.
          وأن كان من أسباب في هذا التبدل في خواص المواد الغذائية فأولها الأسمدة الكيماوية ثم التلوث البيئي والري بمياه ملوثة ( مياه المجاري) . 
    ومن محافظة النماص التابعة لمنطقة عسير يقول الشيخ ( حسن بن درويش ) بأنه لا يحب مذاق الأطعمة الجديدة خصوصا المعلبة منها لأنها تحوي مذاق لا يشبه مذاق الأطعمة التي تقدم في السابق, وذكر انه لا يأكل إلا الطعام المفيد وخص الأكل الشعبي بذلك مثل العصيدة والخبز البلدي والعريكة والمعصوب وغيرها من الوجبات الشعبية ذات الطعم الجيد والفائدة والتي يدخل في تكوينها السمن البري والعسل والبر أما طعام هذا الزمان فلا يعجبه خصوصا ما يسمى بالزبادي والروب فهو شبيه بقذف الرضع ( استفراغ الرضع) حسب تعبيره,  ويكره أن يصنع السمن من زبدة البقر ويفضل عليها الطرق التقليدية في نزع الزبدة من حليب الأغنام ويقول أنها أطعم (أذوق)
 اسماعيل علي
        وعلى العكس تماما يقول الشاب ( إسماعيل علي ) من الرياض ,  أن مذاق الطعام تحسن كثيرا عن الماضي فالطعام في السابق بدون مذاق ,  و يتحكم في ذلك  عنصرين فقط هما الملح أو السكر , بينما المذاق في الوقت الحالي يتحكم فيه كم هائل من   عناصر تغير الطعم ومهمة في استساغة الطعام مثل البهارات والإضافات الحديثة للأغذية لولها لما حصلنا  على وجبات فائقة المذاق ولما حصلنا على خلطات سرية في المطاعم التي تتميز بعضها عن بعض في طريقة الطبخ وكميات ونوعيات المضافات المحسنة لمذاق الطعام , ويقول( أنا لا أحب الوجبات الشعبية وقد أحرجت أكثر من مرة عندما أكون ضيفا وتقدم لي وجبة شعبية خصوصا المرقوق فتعابير وجهي تغلبني في عدم الرضا عن المقدم وهو ما يحرج المضيف أيضا )  
أما العم فايز الكلثمي فله نظرة أخرى حددها في نقاط : ( طعام وشراب الزمن الماضي كان ذو نكهة خاصة ومميزة تختلف عن ما نستطعمة في هذا الوقت والسبب في ذلك وحسب وجهت نظري التالي :
الأمر الأول أننا كنا نعاني في الزمن القديم من الفاقة والعوز وهذا الحال يستوجب اعتماد أهالي القرية على أصناف محدودة من الطعام المتوافر وكان لهذه الفاقة تأثير على مذاق تلك الأطعمة وبقائها خالدة في ذاكرتنا وهو إحساس الجائع بالطعام .
والأمر الثاني هو نقاوة تلك الأطعمة محدودة الأصناف دون تعرض أراضي الزراعة لأفات تستدعي تلويث تلك النباتات بالمبيدات الكيماوية والتي تؤثر بطريقة غير مباشرة على لحوم المواشي التي كانت تعادل ثروة قومية في بعض المناطق الرعوية .
الأمر الثالث محدودية أصناف الغذاء واقتصارها على وجبات شعبية هي في مجملها ذات قيمة غذائية عالية جدا, كل ذلك جعل لذلك الزمان وغذاءه مذاق لا يتكرر.
 
 علي العمري
الطفرة والهجرة لها دور في ذلك
يرى علي بن غرمان أن تغير ذوق الطعام عالميا ولم يكن التغير يخص قطر معين , لكن كان لبعض الدول النصيب الأكبر في التغيير مثل السعودية وذكر أن الطفرة التي مرة بها السعودية لها دور اكبر في تغيير الأطعمة وبالتالي ذوق الطعام وأشار إلى اختلاط الحضارات الداخلية والخارجية وهو أمر صحيح فما يصنعه أهل الحجاز يأكله الآن اهل نجد وما يحبه أهل نجد تجده يصنع في الحجاز وكما أن بعض المهاجرين اتوا بأذواق وأطعمة جديدة إلى السعودية كانت سبب مهم في التغيير مثل الأرز الذي لم يكن مووجود في الجزيرة العربية ومثل طرق طبخه البرياني والبخاري والعدني , كما أن بعض البهارات التي جلبتها الهجرة إلى السعودية والتي تأصلت في كثير من الوجبات لها دور وهو ما تطرق إليه الشاب إسماعيل بن علي .
      أما الشيخ فايز الكلثمي فربط الأمر كثيرا بالفقر والجوع وأشار إلى أن الحاجة في الماضي نسخت ذوق الطعام في الذاكره وهذا صحيح علميا ودليل ذلك يكون في حالات تقييم طعم ومذاق المنتجات على سبيل المثال منتجات الألبان ,  يشترط على المقيمين أن لا يكونوا جائعين لأن الجوع لا يعطي نتائج جيدة , فالجائع في الغالب يرى أن مذاق المنتج جيد .
 قاسم بابور
أدوات الطبخ وطريقة الطبخ لها دور أيضا
أثبتت الدراسات أن بعض المواد التي تسخدم في إعداد الطعام وتجهيزة تؤثر على الطعام وبالتالي على صحة المستهلك وذلك لإنتقال المواد من الأدوات والأواني ألى الطعام وبالتالي تؤثر على مذاق الطعام
   وأشار إلى ذلك الشيخ قاسم با بور في أن الأواني الحديثه غيرت من ذوق الطعام عن تلك الأواني في الماضي التي تعطي الطعام نكهة خاصة , وأشار ايضا إلى طريقة الطبخ التي كانوا عليها في السابق وأستخدام الفحم و الحطب والطبخ على نار هادئة وهذا صحيح لأن نواتج الحرق من الفحم والحطب تؤثر على طعم الطعام وعلى سبيل المثال اللحوم التي تطبخ بطرق مختلفة كالمندي والحنيذ تختلف عن اللحوم التي تطبخ بقرن الغاز أو فرن الكهرباء .
طرق الحفظ والتعديل الوراثي والتلوث بالمبيدات
وتطرق إلى هذا الموضوع الشيخ علي بن غرمان والشيخ قاسم بابور , فطرق الحفظ لها دور كبير في الطعم فالتجميد مثلا له عيوب تؤثر على الطعم خصوصا في اللحوم ولذلك عدة عوامل كثيرة من أهمها التأثير الذي يحصل على الأنسجة نتيجة التجميد , كما أن التعليب يؤثر على الطعم فالحرارة وبعض الأوساط التي تحفظ فيها المادة الغذائية تؤثر على طعم ومذاق المادة الغذائية
أما المبيدات الحشرية والكيماويات المكافحة للحشرات والآفات الزراعية فتأثيرها كبير على المادة الغذائية , ويتعلق هذا الموضوع كثيرا بالصحة ومن المعروف أن المواد الكيميائية تغير من تركيب بعض المنتجات الزراعية وبالتالي تغير من خواصها والتي تغير أشياء كثيرة منها مذاق الطعام والأهم من ذالك كله التأثير على صحة الإنسان .
      من الناحية العلمية يعتبر الطعام مختلف في طعمه عن السنوات الماضية ويعزى ذلك لعوامل كثيرة جدا ومشتركة من أهمها تطور الصناعات الغذائية وتطور صناعة المضافات الغذائية والبدائل واستحداث أنواع جديدة من المضافات التي تساعد على حفظ الأغذية والتي تؤثر في المذاق كما أن طرق الحفظ أيضا تؤثر على المذاق فالتبريد والتجميد والتجفيف وغيرها من طرق حفظ الطعام تؤثر على مذاق الطعام ,  مثل التعليب بطرقه المختلفة والمتطورة التي وصلت إلى حفظ الأغذية كالحليب في أغلفة كرتونية لمدة تصل إلى أربعة أشهر في البلدان الأكثر سخونة ويضاف إلى ذلك بأن  التعقيم على درجة حرارة عالية يعد سبب تغير المذاق عن الحليب الطازج .
        ولكثرة ارتباطات الإنسان في هذا العصر السريع دور أيضا في تفضيل الوجبات التي تعد سريعا مقارنة بتلك التي يستغرق إعدادها ساعات طويلة مثل بعض الوجبات الشعبية التي يطول تجهيزها, وبالتالي تعتبر مؤثرة على مذاق الغذاء كما أن المواد الداخلة في الطبخ تغيرت وتغير المذاق معها فما كان يصنع بالسمن أصبح يصنع بالزيوت النباتية مثل زيت النخيل وما كان يقلى بزيت الذرة أصبح يقلى بزيت دوار الشمس حتى طرق الطبخ اختلفت وأدوات الطبخ اختلفت فما كان يطبخ في طنجره أصبح يطبخ في أواني الضغط وما كان يطبخ على الحطب والفحم أصبح يطبخ على الغاز وتطور الأمر إلى الطبخ على الكهرباء.

ـــــــــــــــــــــ


  1. سيدي
    اصبح هذا الزمن غابر زمن الكيماويات اه وكم اه نحن الي العام الخالي من المواد الكيماوية لحصول علي صحة جيدة غير متدهولاه من الصبا.
    مقال قيم تحدث عن مايدور بالواقع
    يعطي روحك الف عافيه
    دام نبضك متوهجا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لمحة تاريخية عن دولة ال عائض في الحجاز

( اجل نحن الحجاز ونحن تهامة ) الجنوب , جنوب ماذا ؟

قصتي مع عملية المرارة و النزيف بعد العملية