من قصص معلمي الأديب محمود الرداوي (2) ذكريات رمضان .. عندما دهس أبني


في حمص
وفي بيتنا العتيق
وفي رمضان حيث الروحانية وحيث الحركة قبيل صلاة المغرب
وانا في المسجد القديم أقرأ القرآن 
أصوات السيارات تمتزج بأصوات الأطفال في الشارع
صخب مدينة صغيرة مثل أزقتها الصغيرة
هذه المنطقة لا تعرف الهدوء إلا في الليل

وفجأة صوت عجلات احدى السيارات
ثم صراخ طفل بصوت عالي
حينها عندما اردت الوقوف لم أستطع ذلك
كان الخوف ينتابني من طبقة الصوت
وبينما أنا جالس في مكاني 
صوت اقدام الأطفال تركض نحو المسجد
وبنظرة إلى الأطفال وهو قادمون من باب المسجد أيقنت ان المصاب أحد أبنائي
قبل أن ينطقوا بالكلام هرولت مسرعا
واسمع خلفي صوت ركض الأطفال

فوجدت إبني بسام بين يدي صاحب السيارة وهو غارق في الدماء
هرعنا الى مستشفى حمص العام
وهناك ادخلوه الطوارئ

وعدت إلى المنزل لأطمئن زوجتي
دخلت عليها البيت وجدتها منهارة وتبكي بكاء الفجع
اخذتها معي للمستشفى
وهناك وجدنا الدكتور ينتظرنا
قال لا بد من بتر الساق اليمنى

وضعت عيني في وجه زوجتي

وهذا الموقف والله عصيب

فقالت بحزم ساق أبني لن تقطع
وجدت نفسي اكرر الجملة للدكتور

فقال الدكتور لا حل

لو اعدنا الساق ممكن يتسمم و يموت
قالت الأم : ساق  أبني لن تقطع

هل من طبيب جراح غيرك قال نعم

ثم أتى رئيس قسم الجراحة قائلا نفس ما قاله الطبيب

وبحزم للمرة الثالثة قالت زوجتي ساق أبني لن تقطع

قال رئيس الجراحين اذا توقعون على ورقة بتحمل المسؤولية

وهنا قلت أوقع

وبعد دقائق أتت الأوراق للتوقيع على عجل
وقعت زوجتي ايضا

وهنا تفرقنا 

هي ذهبت الى استراحة النساء وانا ذهبت أسأل عن مصلى المستشفى
رفعت يدي يا الله يا الله وإذ بأذان المغرب يصدح في أرجاء حمص

وقلت يا الله إن للصائم دعوة مستجابة اللهم اكتب الشفاء و العافية لإبني بسام
ثم سجدت سجود الذليل لربه
وطلبته وانا ساجد
وبينما أنا في السجود

أتت زوجتي بكوب ماء وتمرات معدودة وقطرات دمع منهمر وقالت أفطر

أكلتها على مضض 
وبعد ثلاث ساعات من الإنتظار
خرج لنا الأطباء قائلين
سيكون أبنكم في العناية المركزة بإمكانكم مرافقته حتى يذهب مفعول البنج
وبعد ساعتين
سنكشف عن ساقه
فإن رجع لون الساق إلى وضعه الطبيعي فمعنى ذلك ان العملية نجحت
وإن كانت بلون آخر فمعنى ذلك أن أبنكم تسمم وربما يموت

وقفنا على رأس أبننا وهو في غيبوبة العمليات
ندعو الله
ونبتهل
ونرجوه

وبعد ساعة ونصف لم يعد الوضع يتحمل الصبر
قالت زوجتي هل ستكشف عن ساق أبني أم  أقوم بذلك

هنا ترددت 
 أأكشف عن الساق وأرى لونها؟

ما بال إن كان لون الساق لم يعد إلى لونه الطبيعي

وضعت يدي على الغطاء لأرى ثم سحبت يدي
وبينما أنا في تردد

تشجعت زوجتي وكشفت الغطاء 
فإذا برجل بسام عادت الى طبيعتها
وقمنا نصيح من الفرحة
فرحة وبكاء وتعابير لا توصف

وبعد سنوات يا طلابي الاعزاء ونحن اليوم في عام 1414هـ أبني بسام الآن في هولندا يعمل في إحدى الشركات المرموقة ومتزوج من هولندية
وأنا بينكم في ثانوية الملك عبدالعزيز بجنوب الرياض
كم أنا مشتاق إلى إبني بسام الذي لم يمنعه العرج البسيط من إكمال مسيرته العلمية

صورة من تكريم معلمي الأستاذ محمود رداوي في إثنينية خوجة عام 1415هـ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لمحة تاريخية عن دولة ال عائض في الحجاز

( اجل نحن الحجاز ونحن تهامة ) الجنوب , جنوب ماذا ؟

قصتي مع عملية المرارة و النزيف بعد العملية